لكثير منا لا يكاد يعرف دولة تركستان الشرقية، وهي كغيرها من الدول الإسلامية المختوم اسمها بـ"ستان" لا نعرف منها سوى شقها الثاني ولولا الأحداث الأخيرة في أفغانـ... ـستان وباكستان، لجهلنا ذلك أيضا.
وكلمة تركستان مكونة من شقين الأول "ترك" والثاني "ستان" وهي تعني أرض الترك وهي دولتان، الأولى تركستان الشرقية، والثانية تركستان الغربية، أما تركستان الشرقية فهي الأرض الواقعة تحت الاحتلال الصيني، وقد أطلق عليها الصينيون اسم "سكيانج" أي "المقاطعة الجديدة"، وهي ما تعرف الآن بمقاطعة "شنجانغ" الصينية، ويسمى سكانها الأصليين بـ"الإيجور".
وتركستان الشرقية دولة مسلمة تئن من ويلات الاحتلال الصيني الشيوعي الذي لا يرقب في أهلنا هناك إلاً ولا ذمة، متبعًا معهم شتى أنواع السياسات القمعية، من قتل وتعذيب، إلى تهجير وتشريد، بهدف محو الهوية الإسلامية عنها، أو تهجيرهم ليحل محلهم الصينيون.
وتقع تركستان الشرقية وسط أسيا، وتحدها من الشمال الشرقي منغوليا، والصين من الشرق، ومن الشمال والغرب كازخستان وقيرغيزستان وطاجكستان، ومن الجنوب التبت وكشمير والهند وباكستان.
عرفت تركستان الإسلام منذ عهد معاوية رضي الله عنه، وتمكن القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي من إتمام فتحها سنة 96هـ، ونظرا لتوسط تركستان القارة الأسيوية فقد تحولت إلى مركز رئيسي لنشر الإسلام في كافة ربوع أسيا.
وتركستان الشرقية تحظى بمساحة كبيرة جدا بحيث تشكل وحدها خمس مساحة الصين، وتبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف فرنسا أكبر الدول الأوربية مساحة، وتزيد عن مساحة المجر بسبعة عشر ضعفًا، وهي في المرتبة التاسعة عشر من حيث المساحة بين دول العالم، حيث تبلغ مساحتها 1.828.417 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي 25 مليون نسمة، غالبيتهم من المسلمين، واللغة الأيغورية هي اللغة التي يتحدث بها غالبية الشعب التركستاني.
وقد ظلت تركستان موطنا للأتراك المسلمين في ظل الحكم الإسلامي حتى سقطت في يد الاحتلال الصيني عام 1760م،ولأن الكفر ملة واحدة كانت كلما تحررت احتلها الصينيون مرة ثانية بمعاونة القوات الروسية، حيث اتفقت السياستين، الصينية والروسية، على القضاء على هذه الدولة المسلمة.
وتعرضت تركستان الشرقية لأربع غزوات صينية منذ عام (1277هـ = 1860م)؛ مرتين في عهد أسرة المانشو، ومرة في عهد الصين الوطنية، ومرة في عهد الصين الشيوعية.
ومنذ الاحتلال حتى الآن قامت العديد من الثورات التي راح ضحيتها مئات الألوف من المسلمين الأبرياء، عبر المذابح وحملات الإبادة الجماعية التي انتهجها الاحتلال الصيني مع مسلمي تركستان.
وقد عمل النظام الشيوعي الصيني على طمس معالم دولة تركستان الشرقية بوسائل عديدة من هذه الوسائل:
* تهجير الملايين من الصينيين البوذيين من كافة أرجاء الصين، وتوطينهم في تركستان بهدف التغيير الديمغرافي لشكل الدولة، بحيث تتحول الأغلبية التركستانية إلى أقلية بعد عدة سنوات.
وقد زادت نسبة المهجرين حسب بعض التقديرات عن 10 ملايين صيني، وأكدت كثير من الدراسات أن نسبة الإيجور إلى الصينيين قد تبدلت في كثير من المدن التركستانية من 9 إيجور وصيني واحد، إلى 9 صينيين وإيجوري واحد.
* تقوم الحكومة الصينية بدعم كامل للصينيين المهجرين، فتوفر لهم المسكن والعمل، وكذلك تمنحهم الأراضي التي يتم مصادرتها من أصحاب البلاد الأصليين من مسلمي تركستان، حتى تحول المسلمون هناك من تجار وأصحاب أراضي إلى متسولين وباعة جائلين.
* يمارس النظام الصيني سياسة التمييز العنصري بشكل ملاحظ، فغالب العاملين في حقول النفط والمشروعات الصناعية الكبرى من الصينيين، أما الإيجور أو المسلمون عموما فيعملون بالفلاحة ويعيش معظمهم تحت خط الفقر.
* ومن الجرائم الأخلاقية التي تقوم بها الحكومة الصينية العمل على ترويج تجارة الخمور والمخدرات بين مسلمي الإيجور، فتوزع عليهم الخمور مجانا، وقد لقى أكثر من 200 شاب مسلم مصرعه بسبب القمع الصيني، عندما حاولوا توعية الشباب بخطر الكحول على الصحة، وفي مقاطعة كانسو التي يسميها الصينيون (مكة الصغرى) لكثرة مساجدها ومدارسها الإسلامية، تكثر فيها تجارة الهيروين، وتروج بين الأهالي، حتى أن السلطات الصينية تعمل على دسها في الأطعمة والمشروبات التي تقدم في المطاعم.
* وقد نتج عن كثرة الترويج للمخدرات والخمور ارتفاع نسبة المصابين بالإيدز في تركستان الشرقية، حتى عُدت من أعلى المقاطعات الصينية إصابة بمرض الإيدز.
* كما شجعت الحكومة الصينية الكثير من الممارسات اللاأخلاقية، فقامت بعمل العديد من المعسكرات المختلطة بين الشباب والفتيات من أبناء المسلمين بهدف إشاعة الفاحشة والرذيلة وهدم القيم الدينية والأخلاقية بينهم.
* إضافة لما سبق فقد عمدت الحكومة الصينية إلى التضييق على المسلمين في عباداتهم، فبعد زيارة رئيس الحزب الشيوعي الصيني "جانغ زيمين" لتركستان الشرقية عام 1998م أعطى أوامره للمسئولين بحظر النشاطات الدينية، وعلى الفور قامت السلطات الشيوعية بإنشاء عدة مراكز لفرض مزيدا من الوصاية والرقابة على المساجد، وكذلك قامت السلطات باعتقال الكثير من الإيجور بتهمة "العمل الديني المحظور"، وفرض غرامات مالية بهدف منعهم من الذهاب إلى المساجد.
* وقامت السلطات الشيوعية بمنعتهم من رفع الأذان في المساجد، وكذلك قامت بإقرار الزواج المختلط بين المسلمين والبوذيين، حيث أجبرت المسلمات على الزواج من الصينيين، وفرض التدريس باللغة الصينية لكافة المواد الدراسية، وصاغت التاريخ وزورت فيه بشكل يخدم الحضارة الصينية.
* وكذلك قامت بمنع المسلمين من إطالة اللحى، والسيدات من ارتداء النقاب، ومنع المسئولين المحليين والطلبة والمدرسين من صوم شهر رمضان، وإجبار المسلمين على فتح المطاعم في نهار رمضان.
* كذلك منعت الشباب دون العشرين سنة من الدخول إلى المساجد لأداء الصلوات، ووضعت السلطات الصينية جنودا على أبواب المساجد(يوم الجمعة)لرؤية البطاقة الشخصية، لمنع من لم يبلغ عشرين عاما من دخول المسجد.
* وكذلك تقوم بمنع العلماء من زيارة تلك البلاد ولكن العجيب في الأمر هو تنامي النشاط الدعوي لنشر التشيع بين المسلمين التركستانيين، في ظل هذا النظام دون تعرض لهم،وكذلك تسمح الحكومة الصينية للمئات منالطلاب الصينيين والتركستانيين بالدراسة في إيران.
* كما قامت الحكومة الصينية بتحويل الأراضي التركستانية إلى معمل كبير لتجري فيه تجاربها النووية، مما أدى إلى تفاقم الكثير من المشكلات الصحية والبيئية في البلاد، وقد أدى ارتفاع مستوى الإشعاع الذري إلى تزايد انتشار مرض السرطان، وكذلك ارتفاع حالات الإجهاض بين النساء، وتشوه المواليد، وإصابة كثير من الأطفال باضطرابات في النظام العصبي وقصور في القلب، كما أدي إلى ارتفاع كبير في نسبة الوفيات .
* كذلك قامت بنهب ثرواتها الطبيعة من بترول ومعادن، حيث يوجد بها احتياطيات ضخمة من البترول والمعادن والغاز الطبيعي، كذلك هي غنية بالذهب، ويوجد بها أجود أنواع اليورانيوم في العالم، وبأرضها معظم المعادن، لذا فإن اقتصاد الصين متوقف على وجود تركستان تحت حكمها.
* يقول الكاتب “محمد إركن البتكن” في مقالة له بعنوان “اضطهاد المسلمين التركمان في تركستان الشرقية”.. لقد ألغى الشيوعيون الكتابة العربية التي كان المسلمون يستخدمونها لمدة ألف سنة ماضية، وأتلفوا 730ألف كتاب باللغة العربية بما في ذلك نسخ من القرآن الكريم، وذلك تحت شعار محاربة “مخلفات الماضي”.. وصادروا ممتلكات الوقف لقطع موارد الأنشطة الدينية تحت شعار “الإصلاح الزراعي” وأغلقوا كل المدارس الملحقة بالمساجد وكانت هذه عادة المسلمين في بناء المدارس وإجبارهم على تعلم مبادئ ماركس ولينين وماو، وأغلقوا 29ألف مسجد في جميع أنحاء تركستان الشرقية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وإسطبلات ومجازر، وقبضوا على 54ألف إمام وتم تعذيبهم وتشغيلهم بالسخرة في تنظيف المجاري والعناية بأمر الخنازير…
وبعد...فإن جرائم النظام الصيني الشيوعي في تركستان الشرقية قد فاق بكثير جرائم النظام الصهيوني في فلسطين، وإن كانت الوسائل واحدة والهدف واحد، غير أن سياسات التعتيم التي تنتهجها الصين همشت من هذه القضية وأبعدتها عن سمع وبصر العالم، وكذلك المسلمين في كافة أرجاء الأرض.
وساهم في هذا الصمت الإعلامي العالمي والعربي، وغفلة المسلمين عن قضايا إخوانهم هناك، فهل بعد هذا العرض لازلنا فخورين ومبهورين بالنظام الاقتصادي الصيني، ذلك النظام الذي قام على السرقة والنهب والسلب لثروات ذلك الشعب وعلى سياسة السخرة والتمييز العنصري الذي انتهجها ضد أبناء الشعب التركستاني المسلم.
وأخيرا نقول أنه رغم كل هذا القمع فلازال الشعب التركستاني يحتفظ بهويته، ولازال قلبه ينبض بكلمة التوحيد، بل إن حرصهم على الإسلام يزداد يوما بعد يوم، لكن على الحكومات الإسلامية القيام بدورها لمساندة إخوانهم الإيجور ذلك الشعب المسلم الذي يعاني من ويلات الاحتلال ومحالات محو الهوية، وعلى جميع المنظمات الدينية والحقوقية السعي لتدويل تلك القضية وتعريف العالم بمعاناة ذلك الشعب.
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق