لم تفت المعاناة الكثيرة والدائمة التي يعانيها شعب الايغور المسلم المقيم بإقليم الشينجيانج على يد أبناء قومية "الهان" الصينية في عضدهم , ولم تكن المذابح المتوالية لشعب أعزل مسالم على يد السلطة الصينية هي أكثر ما يثير شجونهم وأحزانهم , ولكن ما يؤلمهم حقا وما يصيبهم بحسرة وانكسار داخلي هو عدم شعور إخوانهم المسلمين بقضيتهم , وعدم تبنيهم لها , بل وإسقاطهم كشعب وقضية من حسابات إخوانهمعلى المستويين الرسمي والشعبي الذي يجدونه يهتم بقضايا كثيرة ومنها قضايا الأقليات المسلمة في العالم ويتحدث عنها إعلاميا لكنه ينسى أو يتجاهل قضيتهم , وكأنهم نبات نشأ غريبا في أرضه , غريبا بين أهله لا يريد أن ينسبه أحد إليه .
بل ما يزيد حسرتهم ويكاد يقتلهم كمدا أن يروا إخوانهم المسلمين يتعاملون مع من أذاقهم الويلات وسامهم سوء العذاب وقتلهم وشرد أبناءهم واغتصب نساءهم , يتعاملون معه تعاملات سياسية واقتصادية وتجارية على أرقى مستوى بحيث يشكلون أكبر سوق لمنتجاته لينتفش باطله وتضيع قضيتهم بأيدي إخوانهم .
فهل يطمع أبناء الايغور المسلمون من إخوانهم في العالم الإسلامي بأن يسلطوا الضوء على الأقل إعلاميا على مآسيهم لعل الدب الصيني يحسب لهبة العرب والمسلمين حسابا فيتعامل مع المسلمين الإيغور تعامل من يخشى غضبة المسلمين عليه اقتصاديا على الأقل ؟
من أعجب العجب أن ترى أن الأقليات في العالم كله تدعمها أغلبياتها حتى لو تركزت في أماكن أخرى في العالم , فيهتمون بقضاياهم ويتجمعون لنصرتهم ويشكلون جماعات ضغط لكي ينال إخوانهم أعظم المكاسب حتى لو لم يكونوا يستحقونها , وليس أدل على ذلك – برغم الوضع المتميز جدا للأقلية النصرانية في مصر – من تشكل جماعات تسمى بجماعات أقباط المهجر للضغط على المستوى الرسمي على أية حكومة مصرية لتمييز الأقلية القبطية في مصر بامتيازات تفوق ما للأغلبية المسلمة , وهكذا في كل مكان في العالم لا تُترك الأقلية وحدها لتقاوم الأغلبية لنيل حقوقها إلا عند بني جلدتنا من المسلمين الذين ينشغلون - في أغلب الأحوال - بقضاياهم ومشكلاتهم الذاتية .
فالشعب الإيغوري المسلم الذي يبلغ تعداده أكثر من أربع أو خمس دول عربية مجتمعة فيبلغ حوالي ثمانية ملايين مسلم والذي يتخذ التركية لغة والإسلام دينا بأغلبية سنية وقلة ضئيلة إسماعيلية , والذي يمتد الإسلام فيهم لما يزيد عن خمسمائة عام خلت قبل أن يلتهم الدب الصيني دولتهم التي كانت تسمى تركستان الشرقية , هذا الشعب الذي يخضع لعملية منظمة لإبادتهم من قبل أبناء قومية الهان ذات الأغلبية في الصين والتي لا تريد بقاء هذه القومية الإسلامية بينهم وسط تعتيم إعلامي شديد من وسائل الإعلام الصينية والعالمية وإهمال وتقصير شديد من الإعلام العربي والإسلامي .
ويتبع الدب الصيني مع مسلمي الإيغور نفس السياسة التي يتبعها اليهود في فلسطين بتغيير التركيبة السكانية لمدينة القدس بشراء الأراضي وتوطين اليهود فيها لتقل نسبة المسلمين وتزيد نسبة اليهود , فبدأ الدب الصيني في فتح مجالات أوسع لأبناء قومية الهان للنزوح إلى شينجيانج وإعطائهم امتيازات كثيرة ومتنوعة لاغرائهم بالبقاء فيها مع مصادرة أراضي المسلمين وممتلكاتهم لأي سبب مع منحها للمحتلين المغتصبين بمساعدة الدولة الصينية , ويزيد الأمر بالتدخل العسكري والشرطي الشديد في حدوث أية خلافات لنصرة أبناء الهان على المسلمين والقيام بمذابح متعددة ومتكررة بدعوي فض الاشتباكات , وقد اثبت ذلك بعدة وسائل عن طريق منظمات حقوقية ووسائل إعلام عالمية .
ففي شهر أغسطس الحالي ، كتبت صحيفة "تشاينا ديلي" الصينية أن بكين أرسلت وحدات خاصة من قوات مكافحة الإرهاب تسمى "فهود الثلوج إلى إقليم شينجيانج وستكون مهمتها تنفيذ ما يسمى بعمليات ضد "الإرهاب والمتطرفين الدينيين" في تلميح بقيام تلك الوحدات بأكبر عملية إبادة مستطاعة ضد المسلمين الإيغور وذلك بعد اتهام الحكومة الصينية المحلية في شينجيانج لـ "متشددين إسلاميين تدربوا في معسكرات إرهابية خارج الصين بالقيام بما أسموه بعمليات تخريبية " , والغريب أن الصينيين يرددون ذات الألفاظ التي تستخدمها دكتاتوريات في العالمين العربي والإسلامي في حديثهم عن المطالبين بحرياتهم , ولعل هذا سبب هذا الصمت المطبق عن أفعال الصينيين مع مسلمي الإيغور !!!
وأعاد هذا التصريح من الصحيفة الصينية لأذهان الايغوريين المسلمين أحداث مذابح عام 2009 التي راح ضحيتها أكثر من 156 قتيلا وأصيب أكثر من ألف آخرين بجروح وتم بعدها اعتقال 1434 مسلما .
وتزداد مخاوف مسلمي الإيغور من وقوع أشد وأصعب الأحداث عليهم - في غفلة للمسلمين - بعد التهديد والوعيد الصريح الذي أطلقه زعيم الحزب الشيوعي في الإقليم "تشانج تشون شيان " في كلمة لأعضاء الحزب الشيوعي والتي دعا فيها إلى قمع من أسماهم بـ "الإرهابيين والمتطرفين الدينيين" مضيفا :" حتى يتسنى لنا كبح جماح الموجة الحالية من الممارسات الإرهابية العنيفة، علينا أن نركز بشدة على قمع الإرهابيين والأنشطة الدينية غير المشروعة والتركيز على حفظ الاستقرار"
فهل سيتركهم المسلمون لقمة سائغة يلتهمهم الدب الصيني أم سيتحركون وفق مبادئ ديننا الذي يؤكد نبينا صلى الله عليه وسلم على لحمة المسلمين وكونهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر ؟
وهل لا تستحق قضيتهم تفعيلا لها وضغطا على حكومة لا تعترف إلا بالمال وتعلم أن بإمكان العرب والمسلمين نصرة إخوانهم بمقاطعتهم للبضائع الصينية ولو لفترة من الوقت ؟.
أعتقد أننا نملك كمسلمين طرقا كثيرة وبدائل متنوعة لكي ينال إخواننا المسلمون هناك أبسط حقوقهم التي كفلتها كل الشرائع والدساتير وهو حق الحياة الآمنة .
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق